التربية

‌يقال أن أجمل ما في الزواج و الإرتباط هو ثماره التي هي الأطفال، و لطالما سمعت جدتي تنصح الأزواج الجدد بالإنجاب لتوطيد علاقاتهم و استمرارها !! علما أني لا أدري صراحة بأي منطق توصلت جدتي لهذا الإستنتاج ... 

لكن ما قد نتفق عليه جميعا أن للأطفال طاقة جميلة ، يمنحون المكان حياة وروحا وكما قال ديستويفسكي " تشفى الأرواح بصحبة الأطفال " وكان يغازل النساء في رواياته بما يلاحظه في الأطفال، فقال في رواية (الأبله) "إن فيك ثقة كثقة الأطفال ولك صراحة يَندُر مثلها , هل تعلمين أن هذا كاف ليحمل المرء على أن يغفر لك أمورا كثيرة؟!" ، لكن لو أمعنَّا النظر في واقعنا و توقفنا قليلا لأدركنا المسؤولية العظمى على عاتق المرَبِّين في زماننا هذا... وذلك بسبب انحدار الذوق العام و غياب أو قلة القدوات الحسنة و إنتشار العولمة بشكل كبير في كل المجالات... 

لذا فالمربي ملزم بمعرفة هذه الأمور ، ومضطر إلى تغيير فكرة أن الأبوة تعني توفير الأكل والملبس فقط أو أن الأمومة تعني الإنجاب والإرضاع فقط... التربية أكبر من كل هذا، التربية مسؤولية وتكليف بحماية وتعليم و إرشاد كائن صغير لا يعي شيئا على وجه الحاضر إلى طريقة العيش السليم... هل تدري قيمة وعظمة هذا الشيء؟!... لكن إن كنت تتعامل بمبدأ "أنتج ودع المجتمع يربي" فأرجوك ابتعد عن الأمر تماما، لإنه اكتفينا حقا من أشباه الرجال و النساء المعاقين نفسيا وفكريا، بسبب آباء أو أمهات لم يحملوا من الأبوة والأمومة غير الاسم، لذا فنحن حقا بحاجة لبناء صناع للمستقبل، محتاجين لجيل صاعد في المستقبل، ولتحقيق هذا يجب علينا البدء بانفسنا أولا، أن نحفر طويلا وعميقا في أنفسنا إلى أن نلامس جرحنا الحقيقي ونضمده، لكي لا ننقل العدوى لمن بعدنا فنخلق بهذا مجتمعات مضطربة تتوارث العقد النفسيه وتورثها جيلا بعد جيل، وهذا أكثر شيء مهم في مرحلة ما قبل الزواج أن نتمكن في هذه المرحلة العشرين الشبابية من بناء شخصيات قادرة على التأثير في الجيل القادم وتكون حقا خير قدوة ومثال لأطفالها يوما ما..

 كلما سمعت أو قرأت قصة أخرى عن تعنيف الأطفال جسديا أو نفسيا وددت قلع عيني و إغلاق أذني كي لا أرى أو أسمع المزيد من القصص المأساوية التي تسحق هذه الكائنات الصغيرة المليئة بالأمل والحياة بدون ذنب أو عذر ... أصبحت ثائرة وعنيفة جدا في وجه كل شخص ينادي بالتساهل بالإنجاب و الإستخفاف به ..

حنان بومزكور