آخر المقالات

Monday, April 11, 2022

ما الذي كان في قاع الصندوق ؟!



علِق مؤخرا في ذاكرتي عبارة : " إياك و طول الأمل " ، لا أذكر متى سمعتها و أين ، كل ما أعلم أنها طَفت على سطح الذاكرة بعد سنين ربما لي من سماعها .. 
سابقا كنت أستغرب كيف لهذه العبارة أن تستقيم و تصِح ؟ 
أليس الأمل شيئا جيدا ؟
أليس سبيلا من سبل البقاء على قيد الحياة ؟! 
ألم يكن دائما إنعاشا للروح اليائسة و القلب الحزين ؟!
فلِماذا نحذره ؟!
ثم بحثت ، و فهمت عندها أن الأمل غَيْرَ الأمل ، و أن الكلمات قد تتقارب حرفا كأصابع اليد الواحدة ، لكن معانيها تتباعد بُعد الأرض و السماء !
إذ ورد عن علي بن أبي طالب أنه خَطب يوما في أهل الكوفة فقال : " أيها الناس، إن أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل واتباع الهوى ؛ فأما طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق .. "
و قال الفضل بن عياض : « جُعِل الخير كله في بيت واحد ، و جُعل مفتاحه الزهد في الدنيا ، و جُعل الشر كله في بيت واحد ، و جُعل مفتاحه حب الدنيا و الإنكباب عليها و طول الأمل فيها ». 
و المقصِد أن الأمل الذي كنتُ أعتقد به  ، مخالف تماما لِما يُراد مما سبق ..
الأمل الذي أعرفه .. نعرفه ..
هو الأمل الذي يُعين على الحياة و يَشد عضد صاحبه في دروبها و طرقاتها .. 
غير أن الأمل - المَحذور منه - هنا هو ذاك الذي يملأ الإنسان حتى يغرقه في الدنيا و ينسيه تماما أن له يوما موعودا و لقاءا محتوما مع رب كريم ..
هو نفسه الأمل الذي يجعل أحدنا يقول : 
" غدا أُصلي .. " 
" غدا أتوب .. "
" غدا أبدأ صفحة جديدة مع الله "
و كأن أحدنا يضمن نَفَسَه القادم و الثانية التي تليه .. 
فكيف ب يومه التالي !! 
شعرت حينها حقا بأننا نثق بأنفسنا أكثر مما ينبغي ، شعرت أننا نطيل الأمل أكثر مما يجب ! 
هناك مقولة قد تكون غالبا سبق و مرت عليك : " مِن الطبيعي أن ترى السفينة على الماء لكن من الخطر أن ترى الماء في السفينة "
أي أنه مِن العادي جدا أن أن يتوه الإنسان في الدنيا و يُعَمِّرها لكن إذا ما ملأت الدنيا قلبه و عمَّرته فاعلم أنه قد طال أمله و أنسته دنياه آخرته ..
و في الميثولوجيا الإغريقية أيضا ورد ذِكر  صندوق عجيب يسمى : " صندوق باندورا " و هو صندوق جُمعت به كل شرور البشرية .. لكن الأعجب أننا نتفاجأ أن آخر شرور الصندوق  كان : " الأمل " !
و قد قيل أن الأمل الذي خرج أخيرا من صندوقنا بشكل ساطع يعمي الأبصار هو دلالة على الأمل " الزائف " ، أي أنه في نهاية المطاف شر و إن بدا للناظرين العكس !
و ما أشبه هذا بذاك .. 
أعمالنا المؤجلة .. خطواتنا المتأخرة .. و " سوف " التي تكاد تُلازم الكثير من عباراتنا ..
ما هي إلا أمل مزيف و طول انغماس في الدنيا ، عمى بصيرة و غض طرف عن الآخرة ..
و الفائز فينا مَن وَعى قبل أن يأتي علينا يوم نقول فيه : " يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) " سورة الفجر . 

No comments:

Post a Comment